2/17/2013

أيها المحزون أخي الغالي أختي الغالية مالي أرى الحزن لايبرح فؤادك فأنساك سعة رحمة الله


بسم الله الرحمن الرحيم


ايها المحزون

مالي أرى الحزن لا يبرح فؤادك ويفري كبدك ويخيم على صدرك حتى صرت ترى البياض سوادا والحلو مرا والعرس مأتما فعافت نفسك الملذات واستوحشت عينك النوم وتركت الأحزان تلقي بثقلها على ظهرك فما عدت تبصر في السعادة في أبها حللها إلا شبحا مخيفا في ليل دامس مليء بالسكون

أيها المحزون

ألم تسمع ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم من بلاء في نفسه وموت أبنائه وموت زوجته خديجة وعمه أبو طالب وعمه حمزة وإيذائه في أصحابه بتعذيبهم وهو يرى وإيذائه في عرضه وزوجه وعيشه في فقر وجوع طول عمره حتى كان يربط الحجرين على بطنه غير أنه كسرت ثنيته وشج وجهه وأدمى المشركين قدميه وسخروا منه وقالوا عنه ساحر وكاهن ومجنون

ومن قبله سخر قوم نوح من نوح وطورد عيسى وقتل زكريا ووضع الخليل في النار وابتلي أيوب وكيد ليوسف واتهمت مريم عليهم الصلاة أجمعين وسار الأئمة من بعدهم على طريق الابتلاء فضرج عمر بدمه واغتيل عثمان وطعن علي وسجن الأئمة وجلدوا وعذبوا رضي الله عنهم أجمعين

ما هذا أيها المحزون

ماذا جرى لك ما هذا التسارع في الأحزان مالك قد حصرت نفسك في زاوية من الحزن ضيقة المسالك هلا إذا ضاق عليك مسلك فتحت للنور مسلكا تبصر به الحياة من جديد وتنسى به همك وتنفس به غمك

سبحان الله كيف تمكن منك الكرب فأنساك انك مازلت تتقلب في نعم كثيرة فان كنت سميعا فكم في القوم من الصم وان كنت متكلما فكم في القوم من البكم وان كنت بصيرا فكم في القوم من العمي وان كنت صحيحا فكم في القوم من مرضى وان كنت مكسوا فكم في القوم من العري وان كنت غنيا فكم من القوم من الفقراء وان كنت آمنا فكم في القوم من الخائفين

أجبني بربك

هل مر عليك يوم لم تجد فيه تمرة واحده تأكلها ؟ هل تضور أطفالك تحت قدميك يستجدون مذقة لبن أو شربة ماء فلم تجدها ؟ هل رأيت بأم عينك كيف تتحول أنفاس من حولك من شيوخ ونساء وأطفال إلى أنين تقطع نبراته نياط القلوب ذعرا وخوفا ؟

أي حزن هذا الذي لبست ثوبه وأنت أن فقدت نعمة تنعمت بنعم وان ابتليت ببلية لحقك بالصبر عليها الأجر والثواب فأي حزن هذا الذي تعممت به وأنت قد حيزت لك الدنيا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا

فكم من دنيا قد حزتها الآن ؟

لقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وأهله وخلفائه الراشدين شظف العيش وكفاف في الحياة وقناعة بالرزق فما ملئوا حياتهم ضجرا ولا كدروا أجواءهم تأففا وتبرما بل غرسوا في قلوبهم الرضا فانبت لهم السعادة والاطمئنان

أرأيت أيها المحزون كم ظلمت نفسك بحزنك وكآبتك وأنت توقن أنك في نعم الإله وتغرف من معينها وتنهل من صفائها

ألا ترى إلى حياتنا كيف غدت أطباق من الرفاهية بعضها فوق بعض لكن أعيننا لا تشبع وقلوبنا لا ترضى

هيا أبدأ أول خطوة في دفع الحزن عنك وأكثر الشكر الجزيل للخالق الديان الرحيم الرحمن فإنه القائل سبحانه وتعالى ( قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون )

هلا أتبعت ذلك خطوة أخرى فنبذت التشاؤم وتفاءلت بالخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى ولا طيره ويعجبني الفأل قالوا وما الفأل يا رسول الله قال الكلمة الطيبة

تفائل أيها المحزون

بإشراق الشمس وبهطول الغيث وبابتسامة المجاهد وبجريان الماء وبهداية شاب وبالقمر إذا أكتمل وبظل الغصن الأصفر في الصحراء المقفرة وبدعوة الكبير وبصلاح القليل وبنفوذ بصيص النور في الظلام الحالك وبالأمل بالفرج عند اشتداد الكرب

قل لي بربك كيف تهزم وأنت بإيمانك تبدو شامخا كالطود تتقزم امامه الأحزان ألست أنت الذي تخضع بجبهتك الشماء لخالق الأرض والسماء تسأله حاجتك وقد وعدك بالإجابة

ألست أنت الذي تنتظر الفرج من مفرج الكربات ورافع البليات

أما آن بربك

أن تستجيب لنداء ربك حين ما قال ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون لو كنتم مؤمنين ) ولقوله سبحانه ( لا تحزن أن الله معنا ) ولقوله تعالى ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون )

أيها المحزون

ما أنت صانع بحزنك ما أنت فاعل بتكدير صفوك هل ستغير بحزنك القضاء أم ستقلب بكدرك القدر كلا ورب الكعبة فإن القضاء مكتوب والقدر واقع والأقلام جفت والصحف طويت وكل أمر مستقر فلا تحزن وأنت المؤمن بقضاء الله وقدره

إملأ سمعك بقول الله تعالى ( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )

أيها المحزون

عشت يوما بحزنك ويومين وثلاثة فكم ستبقى قابعا تحت حرارة الأحزان ولسع الأكدار أن هذا يا أخي هوان لست به خليق وكسل ليس بك يليق فأنفض عنك غبار التعاسة وعود نفسك على التعبد لله بأنواع العبادات وأقدم إلى سعادة العمل المقرون بالعلم وأشغل نفسك بما ينفعها وأعمل بدنك بما يعمر حياتك في الدنيا والآخرة وأطلب العلم وأكتسب من الحلال مايغنيك ولو نصبت وتعبت فما خلق الإنسان إلا في كبد

أيها المحزون

لاتقتل نفسك بالحسرات على مافات من حطام الدنيا فما مثل الدنيا عند الله إلا كما قال الله تعالى ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ) ولا تقنط من ذنوبك ولو عظمت في نفسك ولو أحسست أنها أهلكتك ولما القنوط والله تعالى يقول ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم ) ولا تبتئس بكثرة حسادك وشانئيك ولا تجعل في قلبك موضع حزن على ذلك فما والله حسدوك إلا لأنك ذو نعمه فأشكر الله عليها لتدوم

وأخيرا

أدفع عنك الوحشة بذكر الله في كل وقت وسلي نفسك بإخوان الطاعة والصدق فبهذا تحلوا الحياة وتسعد الأيام لا الحياة الدنيا وأيامها فحسب بل والآخرة أيضا فأن الله يقول ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) واعلم ياصاحب القلب المؤمن أن الحزن لا يناقض الإيمان لكن بشرط ألا يصل إلى حد القنوط والجزع أو عدم الرضا بالقضاء والقدر

ثم انه لا ينبغي أن يعلق في ذهنك أن الابتلاء لا يصيب إنسان إلا في شكل عقوبة لصاحب معصية أو ذنب كلا بل أن أحرى الناس بالابتلاء هم أكثر الناس تقوى وأشدهم إيمانا لأن في الابتلاء تمحيص للذنوب ومحو للخطايا فمن ذا الذي لا يحب أن يقدم على الله وصفحته ناصعة البياض قد صقلت بكثرة الصبر على البلاء فعن مصعب بن سعد عن أبيه قال قلنا يارسول الله أي الناس اشد بلاءا قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا أشتد بلاءه وإن كان في دينه رقة أبتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة )

فهنيئا لمن كثر بلاءه وقابله بالصبر والاحتساب وأحرص حرسك الله برعايته أن تجعل مصيبتك محورا لتحويل حياتك من الفتور إلى الجد وأتعض بما يحدث لك واجعلها لك عبره فيا سعادتنا بجملة من الناس لما أحاطهم البلاء وقد كانوا في انحراف خرجوا منه بنور الأيمان وسعادة التقوى فكانت لهم في ذلك خيرة وهداية

وأحذر


أن تكون ممن خسر المعركة مع الابتلاء فعاد منه بالانتكاسة وقلة الإيمان فقال الله فيه ( ومن الناس من يعبد الله على حرف إن أصابه خير أطمأن به وأن أصابته فتنة أنقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) نسأل الله أن يقدر لنا الخير ويسعدنا به ويرزقنا حلاوة الصبر في الضراء والشكر في السراء وحمده على كل حال وأن يفرج هم المهموم وينفس كرب المكروبين ويقضي الدين عن المدينين ويرحم موتانا وموتى المسلمين ويغفر لنا ولوالدينا ولأحبابنا ولجميع المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم