بسم الله الرحمن
الرحيم
قال الشيخ الشنقيطي وهو يخطب
ويحث الناس ويقول هل سبق وجمعت أهل بيتك أوابناءك أو زملائك أو أصدقائك وأثنيت على
الله بما هو اهله وقلت لهم أن الله أعطاني كذا وكذا يوم منعني الناس وفرج عني
ونصرني يوم خذلني الناس ورزقني كذا وكذا وحلم عني وستر علي وهداني وان الله هو صاحب
الفضل الأوحد علي فلماذا لاتثني على الله فلو أحسن اليك رجل لمدحته وذكرته بالخير
في كل مجلس ولله المثل الأعلى فلماذا لاتثني على الله بما هو أهله وهو من اعطاك
وأعطاك وأعطاك
الا تعلم أن الله يحب الثناء فهو أهل الثناء
فهو يحمد نفسه ويثني عليها، ويحمد نفسه وهو الغني بنفسه لا يحتاج إلى أحد غيره، بل
كل ما سواه فقير إليه
قال نبينا صلى الله عليه
وسلم : ( ليس أحد أحب إليه المدح من
الله من أجل ذلك مدح نفسه ) صحيح مسلم وقال الإمام القرطبيالله
تعالى يحب الثناء كما يحب المحامد ، وثناؤه على نفسه أعظم من ثناء الناس عليه ،
وكذلك حبه لنفسه وتعظيمه لنفسه . فهو سبحانه أعلم بنفسه من كل أحد وهو الموصوف
بصفات الكمال التي لا تبلغ عقول الخلائق، فالعظمة إزاره والكبرياء
رداؤه
وفي
تفسير الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي: سبق الحمد مني لنفسي قبل أن
يحمدني أحد من العالمين، وحمدي لنفسي في الأزل لم يكن بعلة ، حمدي الخلق مشوب
بالعلل ، قال علماؤنا: لما علم سبحانه عجز عباده عن حمده، حمد نفسه لنفسه في
الأزل...
ألا ترى سيد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله:
لا أحصي ثناء عليك. وقيل: حمد نفسه في الأزل لما علم من كثرة نعمه على عباده وعجزهم
عن القيام بواجب حمده فحمد نفسه عنهم لتكون النعمة أهنأ لديهم حيث أسقط عنهم به ثقل
المنة
والثناء يكون بقدر عظم مكانة الرب في قلب العبد ، ومدى معرفته
بجلاله وكماله ، ومدى حياة القلب بجمال الله تعالى ، وأسمائه وصفاته
يوفق له بعض عباده الصالحين ، لأنه من أعظم القرب وأجلّها عند
الله تعالى ، ومهما يوفق العبد لأبواب الثناء على الله تعالى ، لا يقدر على إيفاء
الرب الكريم حقه من المدح وعبارات ومعاني الثناء ، للعجز عن إدراك الله تعالى
.
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا أحصي ثناء عليك أنت
كما أثنيت على نفسك ) وهو عليه الصلاة والسلام أعبد الخلق لله ، قال الغزالي في
الإحياء : " ليس المراد أني عاجز عن التعبير عما أدركته بل معناه الاعتراف بالقصور
عن إدراك كنه جلاله ، وعلى هذا فيرجع المعنى إلى الثناء على الله بأتم الصفات
وأكملها التي ارتضاها لنفسه واستأثر بها فهي لا تليق إلا بجلاله
".
عن أنس رضي الله عنه قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ
بأعرابي وهو يدعو في صلاته وهو يقول : يا من لا تراه العيون ، ولا تخالطه الظنون ،
ولا يصفه الواصفون ، ولا تغيره الحوادث ، ولا يخشى الدوائر ، يعلم مثاقيل الجبال ،
ومكاييل البحار ، وعدد الأمطار ، وعدد ورق الأشجار ، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق
عليه النهار ، ولا تواري منه سماءٌ سماء ً ، ولا أرض أرضاً ، ولا بحر ما في قعره،
ولا جبل ما في وعره... اجعل خير عمري آخره ، وخير عملي خواتمه ، وخير أيامي يوم
ألقاك فيه
فوكّل النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي رجلاً فقال : إذا صلى
فأتني به ، فلما صلى أتاه ، وقد كان أهدي له ذهب من بعض المعادن ، فلما أتاه
الأعرابي وهب له الذهب وقال : ممن أنت يا أعرابي ؟ قال : من بني عامر بن صعصعة ،
قال : هل تدري لم وهبت لك الذهب ؟ قال : للرحم بيننا وبينك ، قال : إن للرحم حقاً ،
ولكن وهبت لك الذهب ( بحسن ثنائك على الله تعالى )
فهو الذهب ، ذهب من فم أعرابي ،
يقابله ذهب من النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم الخلق
بالله ، وما ذلك إلا تقديرا للثناء على الله تعالى وتعليما للأمة
كيف تتعامل مع ربها وتثني عليه ، وكيف يكون جزاء الإبداع الإيماني ذهبا
خالصا ، يستحق أن يكافأ عليه أعرابي يصلي ركعتين ، فيستحق الذهب من خير البرية عليه
الصلاة والسلام.
إن هذا الحديث يعلمنا أن الإبداع الإيماني - المقيد بالشرع - هو
مطلب نبوي عالي الحث ، وهو سمت لأهل الصلاح والحال مع الله ، إذ حياة القلوب هي
التي تفيض بمثل هذا الإبداع ، ولن تتذوق القلوب هذه المعاني ، ولا تنطق ثنايا الفم
بكلام عذب ، إلا برصيد إيماني ومعرفي ولغوي ، تخرج منه الكلمات من بعد حياتها في
القلب ، كمثل نثرات الذهب ، فيكون ثمة ذهاب الغم ، وإقبال الحال المرضي مع الرب
الرزاق من أجل ذلك : يكون الثناء على الله تعالى باستحضار : جلال الرب الكريم
سبحانه بأسمائه وصفاته، و تذكر نعم الله على العبد ، وشكره
عليها